الجديدة مدينة تنهار على جميع الاصعدة جراء اختيارات غير موفقة لمسؤوليها
عديدة هي الأزمات التي باتت تتخبط فيها مدينة الجديدة والتي شرعت تستفحل يوما بعد يوم حتى بلغت ذروتها خلال فصل الصيف حيث تعمقت هذه الأزمات بتوافد آلاف الزوار، وقد أسفر هذا الوضع عن تفجير خلافات قوية بين مكونات المجلس الجماعي، تطورت إلى توجيه مراسلات ومراسلات مضادة بين الأغلبية والمعارضة، تصل نسخا منها إلى عامل الإقليم…ووزير الداخلية بل منها ما تحول إلى إلى أسئلة كتابية وشفاهية بمجلس النواب والمستشارين
فجديدة اليوم ليست هي تلك التي أنجبت، خلال الأزمنة الماضية، ثلة من العلماء ورجالات الفكر والثقافة والقضاء…، من قبيل – على سبيل الذكر لا الحصر – أباشعيب الدكالي ومحمد الرافعي وعبد الرحمان ابو الفتح الشتوكي وغيرهم… ليست هي التي نعتها، ذات يوم، الجنرال ليوطي ب«دوفيل دي ماروك». جديدة اليوم فقدت الكثير من خصائصها ومقوماتها نتيجة عوامل سلبية عدة خدشت صورتها الماضية.
بداية الانهيار وتشويه المعالم
الجديدة، التي شكلت إلى حدود العقود القليلة الماضية، واحدة من المدن الساحلية المغربية الجميلة ذات الطابع المعماري الأوربي، حيث يكفي أن تتجول عيناك بين بنايات المسرح البلدي ومكتب البريد الرئيسي وبنك المغرب لتنعم بسفر في عبق التاريخ و تنوعات الجغرافيا، قبل أن تطل من الجهة الأخرى على الحي البرتغالي بأبراجه العالية وكنائسه القديمة و«تستنشق» عبق التاريخ وتقف على ما خلفه الأوربيون من آثار وحضارة شاهدة على مرورهم بهذه الديار، لكن ما أن تغادر هذه الأمكنة حتى تفاجأ ب«الجرائم» التي اقترفها بعض المسؤولين وصناع القرار ممن حولوها إلى شبه قرية حبلى بمظاهر البداوة.
تزخر المدينة بمؤهلات طبيعية وسياحية تضعها في مصاف المدن المؤهلة للمنافسة السياحية، فإلى جانب الشواطىء الخلابة، ترك البرتغاليون إرثا تاريخيا جعل المدينة تصنف ضمن المدن ذات التراث العالمي، مع التواجد الفرنسي، تحولت، بفضل هدوئها وسكينتها وطقسها المتميز، إلى مكان مفضل للمتقاعدين الفرنسيين، قبل أن يطلق عليها الجنرال ليوطي «دوفيل دي ماروك» لتشابهها مع مدينة «دوفيل» الفرنسية، وظلت الجديدة بعد الاستقلال تستقبل العديد من الأسر من مختلف مناطق المغرب خلال فصل الصيف، وخصوصا المراكشية والبيضاوية.
لكن، للأسف، تلقى القطاع السياحي بالمدينة، في السنين الأخيرة، «ضربة موجعة»، بعدما تحولت من استقبال سياحة العائلات إلى استقبال سياحة من نوع خاص أبطالها شباب «مشرمل» يقضي نهاره متجولا بين أحياء وأزقة المدينة وليله بين أشجار الحدائق وفوق رمال الشاطىء، يثير الضجيج والفوضى دون اكتراث بالآخرين؟
عديدة هي الأزمات التي باتت تتخبط فيها مدينة الجديدة والتي شرعت تستفحل يوما بعد يوم حتى بلغت ذروتها خلال فصل الصيف حيث تعمقت هذه الأزمات بتوافد آلاف الزوار، وقد أسفر هذا الوضع عن تفجير خلافات قوية بين مكونات المجلس الجماعي، تطورت إلى توجيه مراسلات ومراسلات مضادة بين الأغلبية والمعارضة، تصل نسخا منها إلى عامل الإقليم…
مدينة ام مطرح للنفايات ؟
الواقع الحالي لقطاع النظافة بالجديدة حرك قطب المعارضة بالمجلس الجماعي لعاصمة دكالة الذي وجه رسالة شديدة اللهجة للرئيس الحالي “إننا نتتبع وساكنة الجديدة بأسف كبير الحالة الكارثية التي تعرفها مدينتنا خلال صيف 2022، فالأزبال متراكمة بمختلف شوارع وأزقة المدينة بسبب غياب المراقبة والمتابعة لصفقة النظافة، وعدم تطبيق الشركة الحالية لمقتضيات وبنود دفتر التحملات والعقد الذي يجمعها بالجماعة، وللتذكير فقد سبق لك أن التزمت بإعطاء الشركة مهلة شهر لتحسين خدماتها تحت طائلة فسخ العقد في حالة عدم امتثالها لتعهداتها لكن إلى يومنا هذا لم تحرك ساكنا…بناء على ما سبق ندعوك إلى تقديم استقالتك”.
من جانبه، زكى رئيس الجماعة في رسالة جوابية موقف المعارضة بخصوص تراجع خدمات قطاع النظافة حيث قال: “اتضح خلال الآونة الأخيرة أن الخدمات المقدمة ليس في مستوى تطلعات الرئاسة والساكنة التي عبرت عن عدم رضاها على الخدمات المقدمة من طرف الشركة المفوض لها تدبير القطاع والتي كانت موضوع ملاحظات ومحاضر وإجراءات زجرية اتخذت من طرف المفوض في حق الشركة بقصد دعوتها إلى الوفاء بالتزاماتها” ٠
أينما يولي المواطن وجهه بمدينة الجديدة يقع بصره على أكوام من الأزبال والنفايات الصلبة متراكمة هنا وهناك، فبالأزقة والشوارع والمدارات… تتراكم الأزبال في غياب أي تحرك للسلطات المعنية من أجل تصحيح الوضع، والنهوض بقطاع النظافة رغم تفويت صفقة هذا القطاع إلى إحدى كبريات الشركات العاملة في مجال النظافة في إطار التدبير المفوض.
علما أن الجماعة شرعت في مباشرة الاجراءات القانونية والإدارية التي تتطلبها مسطرة الإعلان عن صفقة جديدة لتدبير قطاع النظافة، على اعتبار أن العقدة المبرمة مع الشركة الحالية تشرف على نهايتها، فإن مصادر أخرى تتخوف من إعداد صفقة على المقاس، خاصة وأن اسم إحدى الشركات العاملة في مجال التدبير المفوض لقطاع النظافة أضحى متداولا بشدة وتتطلع ذات المصادر إلى أن ترسو عليها الصفقة.
مشردون وأشياء أخرى
شهدت المدينة توافد عدد من المنحدرين من بلدان جنوب الصحراء، نساء ورجالا من مختلف الأعمار، والذين يصادفه المرء بأهم الساحات والمواقع بالقرب من المسرح البلدي مثلا حيث تحولت «فضاءات تاريخية» إلى أمكنة لعرض منتجات إفريقية، وكذا لبيع «الحلزون» و»الفشار والمقليات والذرة » وما شابه ذلك، دون أن يحرك الطابع التاريخي لهذه الفضاءات غيرة المسؤولين والسلطات المحلية من أجل العمل على وضع حد لعوامل التشويه.
من جهته شارع محمد الخامس الذي يعد أحد الشرايين الرئيسية للمدينة، يضم بنايات مهجورة بالقرب من محطة توقف الحافلات وكذا بمحاذاة ملعب ثانوية ابن خلدون، حيث تعج هذه البنايات بالأزبال والنفايات، وتحولت إلى مسكن وملاذ آمن وشبه فندق مفتوح ليل نهار في وجه المتشردين واللصوص للاختباء والاحتماء من تقلبات المناخ أو من الحملات الأمنية.؟
ساحة البريد، من جهتها، تحولت منذ مدة الى ساحة لباعة النقانق والمأكولات الخفيفة، فيما ساحة الحنصالي يتخيل الداخل إليها أنه في «سوق قروي» جراء تنوع المعروضات، بدءا بالملابس على شتى أنواعها، مرورا بموائد السردين المقلي وانتهاء بالفواكه والنعناع وأشياء أخرى. هذا دون إغفال وضعية «شارع الزرقطوني»، المعروف ببوشريط الذي نصبت فيه العربات المجرورة الخاصة بالمأكولات و«الرايب البلدي» و«خدنجال» وغيرها.وعربات الفواكه وكان المواطن يتجول بسوق قروي ، حتى أن البعض من هذه العربات تحول إلى شبه استقرار وسط الشارع حتى أن هذا الأخير أضحى مكانا خاصا بهؤلاء التجار ٠
الحفر التي حولت اسم مدينة الجديدة إلى المهدومة
غزت الحفر معظم ازقة وشوارع مدينة الجديدة حتى أضحت عائقا كبيرا أمام حركة المواطنين الراجلين والراكبين معا، فحتى كبريات الشوارع لم تسلم من حفر عميقة وهو ما ساهم في عرقلة واضحة لحركة السير والجولان، لاسيما خلال فصل الصيف الذي شهدت فيه عاصمة دكالة توافد مئات الآلاف من الزوار والمصطافين، وهو توافد لم تعرفه المدينة ذاتها منذ عقود خلت.
ففضلا عن الأزقة الضيقة، فمعظم الشوارع الرئيسية التي تشكل أساس البنية التحتية والتي تعرف حركة سير دؤوبة بمدينة الجديدة، صارت مرتعا لحفر كبيرة، ما جعل العديد من الأصوات تتعالى بالاحتجاج من أجل إصلاح البنية التحتية لعاصمة دكالة، واضحت الجديدة تسمى مدينة المليون حفرة” وآخرون يعلقون على الوضع بعودة المدينة إلى اسمها القديم “المهدومة”.
ومما ساهم في تشويه طرقات وشوارع وأزقة مدينة الجديدة بالحفر، هو إقدام المجلس الجماعي على إصلاحات توقفت بحلول فصل الصيف، ما جعل هذه الأوراش غير مكتملة وعبارة عن حفر عميقة تعرقل حركة السير لاسيما على مستوى شارع محمد الخامس الذي يضم المحطة الطرقية للمدينة.وشارعي المسيرة وطريق محطة القطار
أسواق وسط الشوارع
سوق «لالة زهرة» هو الآخر احتلت ممراته، كما أن شارع الشهداء يعاني من الوضع ذاته، نتيجة البيع بالتجوال، حتى أنه أضحى مختنقا بشكل تنتج عنه الكثير من الاصطدامات اليومية. حي السعادة الذي يضم سوقا نموذجيا، تحول الى مايشبه السوق القروي، فقد تم اعادة احتلال شارع جمال الدين الأفغاني والأزقة المتفرعة عنه التي تملكها البعض، حيث تم ربط عربات مجرورة بالكهرباء فيما أقدم البعض على ضم جزء من الملك العام الى محلاته التجارية دون حسيب ولارقيب، كما أن تقاطع شارعي جمال الدين الأفغاني والعلويين تحول الى سوق يومي؟
«عشوائية» بالمجال الحضري
من بين الأخطاء الجسيمة، التي تم «اقترافها» خلال التقطيع الانتخابي لسنة 2009، إلحاق دواوير تابعة لجماعة الحوزية آهلة بالسكان ومعروفة باستفحال ظاهرة البناء العشوائي بالمجال الحضري لمدينة الجديدة، وهكذا أصبحت دواوير «الرقيبات، لشهب، الغربة، الغنادرة، ابرهيم، الطاجين، المسيرة والعيساوي…» منذ تلك السنة تابعة إداريا لبلدية الجديدة مما شكل عبئا وثقلا إضافيا على ميزانية البلدية، التي وجدت نفسها في مواجهة مشكل إعادة هيكلة هذه الدواوير، في الوقت الذي من المفروض أن تتحمل جماعة الحوزية، مسؤوليتها وتدخل في شراكات مع المجلس الحضري للجديدة لإعادة هيكلة هذه الدواوير والمساهمة في إيجاد حل للأخطاء المجالية والتعميرية المحدثة بمحيط المدينة.
مايشبه الختم
في ظل الأزمات التي باتت تتخبط فيها مدينة الجديدة سواء على مستوى النظافة أو البنية التحتية أو النقل الحضري، والتي صارت حديث العام والخاص بفعل تصدرها عناوين المنابر الإعلامية المحلية والوطنية، بل ومواضيع مراسلات ومراسلات مضادة بين أغلبية ومعارضة المجلس الجماعي، والتي تصل نسخا منها إلى سلطة الوصاية ممثلة في عامل الإقليم محمد الكروج، فإن استمرار الأزمات ذاتها لمدة طويلة، بل واستفحالها مع توالي الأيام والشهور، يجعل باب التساؤلات مشرعا حول موقف هذه السلطة وتدخلاتها للحد من هذه الأزمات.
وليعلم مسؤولي الجديدة من مختلف مواقعهم أن المدينة ليست مركزا حضريا فحسب، فهي مدينة سياحية كبرى وثاني قطب إقتصادي بعد البيضاء، ومدينة صناعية وجامعية بامتياز، ومن ثم فهي في حاجة الى مسؤولين ومنتخبين على وعي تام بما يستدعيه «ثقل» مكانتها من دفاع مستميت عن مصالحها ومصالح أبنائها، وذلك من خلال إنفاذ القانون بشكل متساو بين الجميع، والقطع مع الحملات ذات الطابع الانتقائي، التي غالبا ما تكون تداعياتها على «الصورة العامة» للمدينة، جد وخيمة.